شبه النبي صلى الله عليه وسلم العلم والهدىالذي جاء به بالغيث؛ لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والأغذية والأدوية وسائرمصالح العباد؛ فإنها بالعلم والمطر. وشبه القلوب بالأراضي التي يقع عليها المطرلأنها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع كما أن القلوب تعيالعلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته، ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام بحسبقبولهم واستعدادهم لحفظه وفهمه معانيه واستنباط أحكامه واستخراج حكمه وفوائده
: أحدها أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه واستنبطوا وجوه الأحكاموالحكم والفوائد منه فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء وهذا بمنزلة الحفظ فأنبتتالكلأ والعشب الكثير وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط فإنه بمنزلة إنباتالكلأ والعشب بالماء فهذا مثل الحفاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية.
القسم الثانيأهل الحفظ الذين رزقوا حفظه ونقله وضبطه ولم يرزقوا تفقهاً في معانيه ولا استنباطاًولا استخراجاً لوجوه الحكم والفوائد منه فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه ويراعيحروفه وإعرابه ولم يرزق فيه فهماً خاصاً عن الله كما قال علي بن أبي طالب رضي اللهعنه: ".... إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه" والناس متفاوتون في الفهم عن اللهورسوله أعظم تفاوت فرب شخص يفهم من النص حكماً أو حكمين ويفهم منه الآخر مائة أومائتين فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به هذا يشرب منه وهذايسقي وهذا يزرع.
وهؤلاء القسمان هم السعداء والأولون أرفع درجة وأعلى قدراً {ذلكفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} .
القسم الثالث: الذين لا نصيب لهممنه لا حفظاً ولا فهماً ولا رواية ولا دراية بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان لاتنبت ولا تمسك الماء وهؤلاء هم الأشقياء والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليمكل بحسب ما قَبِلَه ووصل إليه فهذا يعلّم ألفاظ القرآن ويحفظها وهذا يعلّم معانيهوأحكامه وعلومه والقسم الثالث لا علم ولا تعليم فهم الذين لم يرفعوا بهدى اللهرأساً ولم يقبلوه وهؤلاء شر من الأنعام وهم وقود النار.
وهكذا فقد اشتمل هذا الحديثالشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه وشقاء من ليس من أهلهوذكر أقسام بني آدم بالنسبة إلى شقيّهم وسعيدهم وتقسم سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحبيمين مقتصد وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر بل أعظموأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث، والله أعلم.